بِسْـــمِ اللهِ الرَّحْمٰن الرَّحِيـــــم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه و أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله .
أما بعد: فقد اعتاد كثير من المسلمين أن يحتفلوا بذكرى مولد النبيصلى الله عليه وسلم، ويعدون هذا اليوم عيدا يقيمون فيه الزينة، ويعقدون حلقات الذكر، وتلاوة القرآن، وينشدون قصائد المديح، وإجراء المسابقات في حفظ القرآن الكريم، وغيره من العلوم، والعناية بوجوه من أعمال البر .
الباعث على الاحتفال
ومرد هذا الاحتفال تعبير القائمين به عما يضمرون من محبة لرسول اللهصلى الله عليه وسلم، ويرونه مطلوبا من كل مسلم لما يجب عليه من تعظيمه لهذا النبي الكريم وتوقيره، وقد يقوم بعضهم بذلك مجاراة وتقليدا .
يوم المولد غير متفق عليه:
اختلف العلماء في يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم بل اختلفوا في الشهر الذي ولد فيه أيضا، وإن كان جمهورهم على أنه شهر ربيع الأول، فقيل ولد لليلتين خلتا منه، وقيل لثمان، وقيل لعشر، وقيل لثنتي عشرة وقيل لسبع عشرة، وقيل لثمان بقين منه، بل قيل ولد في شهر رمضان، ولوكان هذا اليوم من العام مطلوبا تعظيمه بالاحتفال لبينه النبي صلى الله عليه وسلم .
لم يحتفل السلف الصالح بالمولد:
إن الاحتفال بالمولد لم يفعله السلف الصالح، ولو كان ذلك مما يعظم به النبي صلى الله عليه وسلم، أو مما يبرهن به على محبته، كيف لا يهتدون إليه؟ لا الصحابة، ولا من بعدهم من التابعين، وتابعيهم، ولا فعله من جاء من بعدهم، إلى أن مضى نحو خمسة قرون، وقد كان المقتضي لهذا الاحتفال وهو المحبة والتعظيم قائما عندهم أعظم من قيامه فيمن تلاهم، وكان المانع غير الشرعي مفقودا، حيث لم يكونوا مقهورين مجبورين على تركه، فإن بيضة الإسلام كانت محمية، وأحكامه كانت في الجملة نافذة، وهم أدرى من غيرهم بمحاب الله ومراضيه، وأعلم بما يكرهه ويسخطه، والسلف الصالح مشهود لهم بالخير، فعملهم بالشيء دليل على أن له أصلا .
من أحدث الاحتفال بالمولد؟:
لم يقل بهذا الاحتفال مجتهد من المجتهدين، لا من أئمة المذاهب المعروفة، ولا من غيرهم ممن عرفوا بالعلم والتقوى خلال الخمسمائة عام الأولى، غير أن عجبك أيها المؤمن يزداد، حين تعلم أن الذين أحدثوا هذا الأمر ليسومن عوام المسلمين، الذين قد يحملهم الجهل على فعل ما يحسبونه خيرا، فمقاصدهم حسنة مع أنهم ضلوا السبيل، وإنما أحدث هذا الاحتفال كما ذهب إليه أهل العلم أناس اشتهروا بالزندقة والنفاق، فأظهروا الإسلام، وأبطنوا الكفر، وكانوا إحدى الفرق التي تلاقت في الأهداف، وإن اختلفت في الوسائل ضمن سياق عام، استهدف ضرب الإسلام، وإفساده من الداخل وقد ابتدأ عملهم بإيقاد نار الفتنة، وتعميق الخلاف، وتدبير الاغتيالات، إنهم بنو عبيد الله القداح، الذين طعن جمهور أهل العلم في دعواهم الانتساب إلى فاطمة الزهراء، ورجع بعضهم بنسبهم إلى اليهود، وأرجعه بعضهم إلى النصارى وشهد بذلك علماء كبار من المذاهب الأربعة وغيرها، وقد ذكر المقريزي في خططه المواسم التي كانوا يحتفلون بها، ومنها الموالد الستة: مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي وفاطمة، والحسن والحسين، رضي الله عنهم ومولد الخليفة الحاضر، ويوم النوروز .
إيراد بعض أقوال العلماء في حكم الاحتفال بالمولد .
من العلماء الذين اعتبروا الاحتفال بيوم المولد بدعة تاج الدين عمر بن علي اللخمي المالكي، المشهور بالفاكهاني رحمه الله وقد نقل السيوطي كلامه برمته في الحاوي و منه قوله ... بل هو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون، بدليل أننا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا إما أن يكون واجبا أو مندوبا أو مباحا أو مكروها أو محرما، وليس بواجب إجماعا ولا مندوبا، لأن حقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء، المتدينون فيما علمت وهذا جوابي بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت، ولا جائز أن يكون مباحا لأن الابتداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين، فلم يبق إلا أن يكون مكروها أو حراما... انتهى.
ومن العلماء الذين اعتبروا هذا الاحتفال بدعة، ابن تيمية رحمه الله فقد قال : وأما اتخاذ موسم غير مواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول، التي يقال بها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو الثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحسنها السلف ولم يفعلوها .
ومنهم العلامة ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل .
في المشروع غنية:
تبين بحمد الله أن هذا الاحتفال، لا يصح أن يكون تعبيرا عن محبة المسلم لنبيه صلى الله عليه وسلم، لأن المحبة تقتضي الطاعة والمتابعة، ولا يصح أيضا أن يكون مما يعظم به، لأن طرق تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم توقيفية، وما شرع منها فيه غنية وكفاية، وإلا لأحدث كل أحد طريقة يرى أنها مما يعظم به .
ثم اعلم أيها المسلم أن العمل لكي يكون مقبولا، لا بد أن يكون خالصا وصوابا، والخالص هو ما ابتغي به وجه الله تعالى، والصواب هو ما كان على السنة، وقد روى الدارمي أن سعيد بن المسيب رأى رجلا يصلي بعد العصر ركعتين يكثر، فقال الرجل لسعيد: يا أبا محمد أيعذبني الله على الصلاة؟ فقال: لا، ولكن يعذبك بخلاف السنة، والمقصود أن المرءقد يعمل ما يبدو صالحا ومع ذلك يأثم ويعاقب لتقصيره في طلب معرفة الحق .
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، والحمد لله رب العالمين .
اختصره أبو إسحاق الجزائري و للتوسع يراجع
أصل الرسالة للشيخ بن حنفية العابدين .
0 comments :
إرسال تعليق